فصل: الْأَثر الْعَاشِر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الْأَثر الثَّالِث:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «من فر من ثَلَاثَة لم يفر، وَمن فر من اثْنَيْنِ فقد فر».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم، ثَنَا الْأَصَم، ثَنَا أَحْمد بن شَيبَان، عَن ابْن أبي نجيح، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ. وَهُوَ فِي مُسْند الشَّافِعِي بِهَذَا الْإِسْنَاد لَكِن بِإِسْقَاط عَطاء، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه مَرْفُوعا عَن أبي حنيفَة الوَاسِطِيّ وعبدان قَالَا ثَنَا معمر بن سهل، ثَنَا عَامر بن مدرك، ثَنَا الْحسن بن صَالح، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من فر من اثْنَيْنِ فقد فر، وَمن فر من ثَلَاثَة فَلم يفر».

.الْأَثر الرَّابِع إِلَى التَّاسِع:

«أَن عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بارز يَوْم الخَنْدَق عَمْرو بن عبْدُ ود وَأَن مُحَمَّد بن مسلمة بارز يَوْم خَيْبَر مرْحَبًا، وَأَن عليًّا بارزه أَيْضا، وَأَن الزبير بارز ياسرًا، وَأَن عبد الله بن رَوَاحَة بارز أَيْضا».
وَهَذِه الْآثَار تقدّمت فِي الْأَحَادِيث السالفة فَرَاجعهَا مِنْهُ.

.الْأَثر الْعَاشِر:

«أَن أَبَا جهل لما قتل حمل رَأسه، وَأَن أَبَا بكر حملت إِلَيْهِ رُءُوس».
وَهَذَانِ قد سلف بيانهما فِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين.

.الْأَثر الْحَادِي عشر:

عَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَا يفرق بَين الْوَالِد وَولده».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن أَيُّوب قَالَ: «أَمر عُثْمَان بن عَفَّان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- أَن يُشْتَرَى لَهُ رَقِيق. وَقَالَ: لَا يفرق بَين الْوَالِد وَولده».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ هَذَا مَوْصُولا فَرَوَاهُ الْأَشْجَعِيّ عَن سُفْيَان، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن حميد بن هِلَال، عَن حَكِيم بن عقال قَالَ: «نهاني عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن أفرق بَين الْوَالِد وَولده فِي البيع».
وأختم الْبَاب بفصول ذكرهَا الرَّافِعِيّ فِي أَثْنَائِهَا آثَار، فَأَرَدْت أَن أذكرها بأحكامها؛ لِأَن بذلك تتمّ فائدتها.

.الْفَصْل الأول:

قَالَ الرَّافِعِيّ: أَرض الْكفَّار وعقارهم تملك بِالِاسْتِيلَاءِ كَمَا تملك المنقولات. وَعَن أبي حنيفَة أَنه يتَخَيَّر الإِمَام فِي الْعقار المغنوم بَين أَن يقسمها عَلَى الْغَانِمين كالمنقول وَبَين أَن يَتْرُكهَا فِي أَيدي الْكفَّار، كَمَا فعل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعقار مَكَّة، وَبَين أَن يقفها عَلَى الْمُسلمين وإِذا أقرها عَلَى ملك أَرْبَابهَا ضرب عَلَيْهِم جزيتين: إِحْدَاهمَا عَلَى رُءُوسهم، وَالْأُخْرَى عَلَى الْأَرَاضِي، فَإِذا أَسْلمُوا أسقطت جِزْيَة الرُّءُوس دون الْأُخْرَى. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ:
فَأَما فعله عَلَيْهِ السَّلَام بعقار مَكَّة فمشهور لَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل عَلَيْهِ وَأما فعل عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَسَيَأْتِي بعد ذَلِك وَاضحا.

.الْفَصْل الثَّانِي:

سَواد الْعرَاق، قَالَ أَبُو إِسْحَاق: فتح صلحا. وَالصَّحِيح الْمَنْصُوص أَن عمر بن الْخطاب فتحهَا عنْوَة قسمه بَين الْغَانِمين، ثمَّ استطاب قُلُوبهم واسترده. وَقَالَ: الأول أَن عمر ردهَا عَلَيْهِم بخراج يؤدونه كل سنة. وَاخْتلف الْأَصْحَاب فِيمَا فعله عمر عَلَى وَجْهَيْن، الصَّحِيح الْمَنْصُوص أَنه وَقفهَا عَلَى الْمُسلمين وأجره لأَهله، وَالْخَرَاج الْمَضْرُوب عَلَيْهِ أُجْرَة منجمة تُؤَدَّى كل سنة. قَالَ جرير بن عبد الله البَجلِيّ: «كَانَت بجيلة ربع النَّاس يَوْم الْقَادِسِيَّة فقسم لَهُم عمر ربع السوَاد فاشتغلوا ثَلَاث سِنِين أَو أَرْبعا ثمَّ قدمت عَلَى عمر، فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي قَاسم مسئول لنزكتكم عَلَى مَا قسم لكم، وَلَكِنِّي أرَى أَن تردوا عَلَى النَّاس فغاصبني ثمن حَقي ونيفًا وَثَمَانِينَ دِينَارا، وَكَانَ معي امْرَأَة يُقَال لَهَا أم كرز، فَقَالَت: إِن أبي شهد الْقَادِسِيَّة وَثَبت سَهْمه وَلَا أسلمه حَتَّى تملأ كفي دَنَانِير وكمي لآلئ، وتركبني نَاقَة ذلولًا عَلَيْهَا قطيفة حَمْرَاء. فَفعل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَتركت حَقّهَا» وَعَن عتبَة بن فرقد «أَنه اشْتَرَى أَرضًا من أَرض السوَاد فَأَتَى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَأخْبرهُ فَقَالَ: مِمَّن اشْتَرَيْتهَا؟ فَقَالَ: من أَهلهَا، فَقَالَ: فَهَؤُلَاءِ الْمُسلمُونَ أبعتموه شَيْئا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَاذْهَبْ واطلب مَالك».
وَعَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه قَالَ: «جعل عمر السوَاد وَقفا عَلَى الْمُسلمين مَا تَنَاسَلُوا». وَعَن ابْن شبْرمَة أَنه قَالَ: لَا أُجِيز بيع أَرض السوَاد وَلَا هبتها وَلَا وَقفهَا. فعلَى هَذَا لَا يجوز بَيْعه وَرَهنه وهبته، وَيجوز لأَهله إِجَارَته بالِاتِّفَاقِ مُدَّة مَعْلُومَة، وَلَا يجوز إِجَارَته مُؤَبَّدًا عَلَى الْأَصَح بِخِلَاف إِجَارَة عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مُؤَبَّدًا فَإِنَّهَا احتملت لمصْلحَة كُلية.
وَعَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَوْلَا أخْشَى أَن يَبْقَى آخر الزَّمَان ببّانًا لَا شَيْء لَهُم لتركتكم وَمَا قسم لكم، وَلَكِنِّي أحب أَن يلْحق آخر النَّاس أَوَّلهمْ. وتلا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين جَاءُوا من بعدهمْ}» قَوْله ببّانًا أَي: شَيْئا وَاحِدًا وَقيل: أَي متساوين فِي الْفقر.
وَعَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ أَنه قَالَ: أدْركْت النَّاس بِالْبَصْرَةِ وَإنَّهُ ليجاء بِالتَّمْرِ فَمَا يَشْتَرِيهِ إِلَّا أَعْرَابِي أَو من يتَّخذ النَّبِيذ. يُرِيد أَنهم كَانُوا يتجرون مِنْهُ، وَأَن ذَلِك كَانَ مَشْهُورا فِيمَا بَينهم. هَذَا آخر كَلَام الرَّافِعِيّ مُلَخصا.
فَأَما أثر جرير فَرَوَاهُ الشَّافِعِي قَالَ: أَنا الثِّقَة، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن قيس بن أبي حَازِم، عَن جرير فَذكره مثله سَوَاء. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِي: فِي هَذَا الحَدِيث دلَالَة إِذا أعْطى جرير البَجلِيّ عوضا من سَهْمه وَالْمَرْأَة عوضا من سهم أَبِيهَا، أَنه استطاب أنفس الَّذين أوجفوا عَلَيْهِ فتركوا حُقُوقهم مِنْهُ، فَجعله وَقفا للْمُسلمين، وَهَذَا حَلَال للْإِمَام أَن يفعل ذَلِك كَذَلِك. وَأما أثر عتبَة ابْن فرقد أخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقين فِي سنَنه قَالَ الشَّافِعِي: وَهَذَا أولَى الْأُمُور بعمر بن الْخطاب عندنَا فِي السوَاد وَيتَوَجَّهُ إِن كَانَت عنْوَة.
فَائِدَة:
قَوْله: «ببَّانا» هُوَ بباء مُوَحدَة مَفْتُوحَة ثمَّ مثلهَا مُشَدّدَة ثمَّ ألف ثمَّ نون ثمَّ ألف، كَذَا ضَبطه الْجَوْهَرِي فِي بَاب الْبَاء من صحاحه وَذكر فِيهِ قَول عمر فِي الْقسم وَكَانَ يفضل الْمُهَاجِرين وَأهل بدر فِي الْعَطاء. قَالَ الْجَوْهَرِي: وَهَكَذَا سمع مِنْهُم، وناس يجعلونه من هيَّان بن بيَّان وَمَا أرَاهُ بِمَحْفُوظ عَن الْعَرَب.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ «أَن عمر بن الْخطاب بعث عُثْمَان بن حنيف ماسحًا، فَفرض عَلَى كل جريب شعير دِرْهَمَيْنِ، وَعَلَى كل جريب حِنْطَة أَرْبَعَة دَرَاهِم، وَعَلَى كل جريب الشّجر وقصب السكر سِتَّة دَرَاهِم، وَعَلَى جريب النّخل عشرَة دَرَاهِم، وَعَلَى جريب الزَّيْتُون اثْنَا عشر دِرْهَم».
وَعَن رِوَايَة أبي مخلد «أَن ابْن حنيف فرض عَلَى جريب الْكَرم عشرَة دَرَاهِم، وَعَلَى جريب النّخل ثَمَانِيَة دَرَاهِم» وَلَيْسَ فِيهَا ذكر الزَّيْتُون، وَالْبَاقِي كَمَا سبق. هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن قَتَادَة عَن لَاحق بن حميد قَالَ: «بعث عمر بن الْخطاب عمار بن يَاسر وَعبد الله بن مَسْعُود وَعُثْمَان بن حنيف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم إِلَى الْكُوفَة، وَبعث عمار بن يَاسر عَلَى الصَّلَاة وَعَلَى الجيوش، وَبعث ابْن مَسْعُود عَلَى الْقَضَاء وَعَلَى بَيت المَال، وَبعث عُثْمَان بن حنيف عَلَى مساحة الأَرْض، وَجعل بَينهم كل يَوْم شَاة شطرها وسواقطها لعمَّار بن يَاسر، وَالنّصف بَين هذَيْن، ثمَّ قَالَ: أنزلتكم وإياي من هَذَا المَال كمنزلة وَالِي الْيَتِيم من كَانَ غنيًّا فليستعفف، وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ، وَمَا أرَى قَرْيَة يُؤْخَذ مِنْهَا كل يَوْم شَاة إِلَّا كَانَ ذَلِك سَرِيعا فِي خرابها قَالَ: فَوضع عُثْمَان بن حنيف عَلَى جريب الْكَرم عشرَة دَرَاهِم وَعَلَى جريب النّخل أَظُنهُ قَالَ: ثَمَانِيَة، وَعَلَى جريب الْقصب سِتَّة دَرَاهِم، وَعَلَى جريب الْبر أَرْبَعَة دَرَاهِم، وَعَلَى جريب الشّعير دِرْهَمَيْنِ، وَعَلَى رُءُوسهم عَن كل رجل أَرْبَعَة وَعشْرين كل سنة، وعطل من ذَلِك النِّسَاء وَالصبيان، وَفِيمَا يخْتَلف فِيهِ من تجاراتهم نصف الْعشْر. قَالَ: ثمَّ كتب بذلك إِلَى عمر بن الْخطاب فَأجَاز ذَلِك وَرَضي بِهِ وَقيل لعمر: كَيفَ نَأْخُذ من تجار الْحَرْب إِذا قدمُوا علينا؟ فَقَالَ عمر: كَيفَ يَأْخُذُونَ مِنْكُم إِذا أتيتم بِلَادهمْ؟ قَالُوا: الْعشْر. قَالَ: فَكَذَلِك خُذُوا مِنْهُم». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَعَلَى كل جريب النّخل ثَمَانِيَة، وَعَلَى جريب الْقصب سِتَّة- لم يشك» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الحكم «أَن عمر بن الْخطاب بعث عُثْمَان بن حنيف يمسح السوَاد، فَوضع عَلَى كل جريب عَامر- أوغامر- حَيْثُ يَنَالهُ المَاء قَفِيزا أَو درهما. قَالَ: وَكِيع: يَعْنِي الْحِنْطَة وَالشعِير- وَوضع عَلَى كل جريب الْكَرم عشرَة دَرَاهِم، وَعَلَى جريب الرطاب خَمْسَة دَرَاهِم».
وَهَذَا مُنْقَطع؛ الحكم لم يدْرك عمر، وَلَا يحضرني من خرجه من طَرِيق الشّعبِيّ عَن عمر كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ.
فَائِدَة:
قَالَ الْحَازِمِي فِي المعرب: الْقصب المقطع من بَاب ضرب قَالَ: وَمِنْه الْقصب الاسفست؛ لِأَنَّهُ يجز. قَالَ: وَمِنْه حَدِيث الْجِزْيَة هَذَا. وحُنيف بِضَم أَوله تَصْغِير حَنيف بِمَعْنى المائل. قَالَ الرَّافِعِيّ. وَيذكر أَن الْحَاصِل من أَرض الْعرَاق عَلَى عهد عمر بن الْخطاب كَانَ مائَة ألف ألف وَسَبْعَة وَثَلَاثِينَ ألف ألف دِرْهَم. وَقيل: مائَة ألف ألف وَسِتِّينَ ألف ألف ثمَّ كَانَ يتناقص حَتَّى عَاد فِي زمَان الْحجَّاج إِلَى ثَمَانِيَة عشر ألف ألف دِرْهَم فَلَمَّا ولي عمر بن عبد الْعَزِيز ارْتَفع فِي السّنة الأولَى إِلَى ثَلَاثِينَ ألف ألف دِرْهَم، وَفِي الثَّانِيَة إِلَى سِتِّينَ ألف ألف دِرْهَم. وَقيل: فَوق ذَلِك. قَالَ: لَئِن عِشْت لأبلغنه إِلَى مَا كَانَ فِي أَيَّام عمر. فَمَاتَ فِي تِلْكَ السّنة.

.الْفَصْل الثَّالِث:

مَكَّة فتحت صلحا خلافًا لأبي حنيفَة وَمَالك حَيْثُ قَالَا: إِنَّهَا فتحت عنْوَة، وَقد تعلل أَبُو حنيفَة امْتِنَاعه عَلَيْهِ السَّلَام عَن غنيمَة العقارات بِأَنَّهَا خلقت حرَّة وَيَقُول: لَا يجوز بيع دور مَكَّة. وَعِنْدنَا دورها وعِراضها المحياة مَمْلُوكَة كَمَا فِي سَائِر الْبِلَاد وَيصِح بيعهَا، وَلم يزل النَّاس يتبايعونها. وَقد رُوِيَ «أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه اشْتَرَى حجرَة سَوْدَة بِمَكَّة» و«أَن حَكِيم بن حزَام بَاعَ دَار الندوة من مُعَاوِيَة» وَهَذَانِ الأثران سلف الْكَلَام عَلَيْهِمَا فِي كتاب الْبيُوع وَاضحا قبيل بَاب تَفْرِيق الصَّفْقَة لَكِن بِلَفْظ عَن عمر «أَنه اشْتَرَى دَارا بِمَكَّة»، نعم عبد الله بن الزبير اشْتَرَى حجرَة سَوْدَة.

.الْبَاب الثَّالِث:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فخمسة عشر حَدِيثا:

.أَحدهَا:

حَدِيث أبي سُفْيَان فِي الْأمان.
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أقبل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قدم مَكَّة فَبعث الزبير عَلَى إِحْدَى المُجنِّبتيْن، وَبعث خَالِدا عَلَى المُجنِّبة الْأُخْرَى، وَبعث أَبَا عُبَيْدَة عَلَى الحُسر فَأخذ بطن الْوَادي وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كَتِيبَة. قَالَ: فَنظر فرآني فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَة قلت: لبيْك يَا رَسُول الله. فَقَالَ: اهتف: لَا يأتيني إِلَّا أَنْصَارِي قَالَ: فأطافوا بِهِ وأوبشت قُرَيْش أوباشًا لَهَا وأتباعًا، فَقَالُوا: نقدم هَؤُلَاءِ، فَإِن كَانَ لَهُم شَيْء كُنَّا مَعَهم وَإِن أصيبوا أعطينا الَّذِي سئلنا. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: ترَوْنَ إِلَى أوباش قُرَيْش وأتباعهم. ثمَّ قَالَ بيدَيْهِ إِحْدَاهمَا عَلَى الْأُخْرَى: احصدوهم حصدًا ثمَّ قَالَ: حَتَّى توافوني بالصفا. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَمَا شَاءَ أحد منا أَن يقتل أحدا إِلَّا قَتله، وَمَا أحد يُوَجه إِلَيْنَا شَيْئا. قَالَ: فجَاء أَبُو سُفْيَان فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أبيحت خضراء قُرَيْش، لَا قُرَيْش، بعد الْيَوْم. قَالَ: من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن، وَمن ألْقَى السِّلَاح فَهُوَ آمن، وَمن أغلق بَابه فَهُوَ آمن. فَقَالَت الْأَنْصَار: أما الرجل فقد أَخَذته رأفة بعشيرته ورغبة فِي قومه. وَنزل الْوَحْي عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: قُلْتُمْ: أما الرجل فقد أَخَذته رأفة بعشيرته، ورغبة فِي قومه، أَلا فَمَا اسمِي إِذا- ثَلَاث مَرَّات- أَنا مُحَمَّد بن عبد الله وَرَسُوله، هَاجَرت إِلَى الله وَرَسُوله قَالَ: فَإِن الله وَرَسُوله يصدقانكم ويعذرانكم».
فَائِدَة: الجنيبة: جَانب الْعَسْكَر، وَله مجنبتان: ميمنة وميسرة. والحسر: جمع حاسر، وَهُوَ الَّذِي لَا درع لَهُ وَلَا مغفر. والضن: الْبُخْل.
تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله لَا بعده ذكرهمَا الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب قبله فذكرتهما هُنَا فاعلمه.

.الحديث الثَّانِي:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتثْنى يَوْم فتح مَكَّة رجَالًا مخصوصين فَأمر بِقَتْلِهِم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَاللَّفْظ لَهُ من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص قَالَ: «لما كَانَ يَوْم فتح مَكَّة أَمن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَّا أَرْبَعَة نفر وَامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ: اقْتُلُوهُمْ وَإِن وَجَدْتُمُوهُمْ معلقين بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة: عِكْرِمَة بن أبي جهل، وَعبد الله بن خطل، وَمقيس بن صبَابَة، وَعبد الله بن أبي سرح. فَأَما عبد الله بن خطل فأُدرك وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة، فَاسْتَبق إِلَيْهِ سعيد بن حُرَيْث وعمار بن يَاسر فَسبق سعيد عمارًا وَكَانَ أشب الرجلَيْن فَقتله وَأما مقيس بن صبَابَة فأدركه النَّاس فِي السُّوق فَقَتَلُوهُ وَأما عِكْرِمَة بن أبي جهل فَركب الْبَحْر فَأَصَابَتْهُمْ عاصفٌ فَقَالَ أهل السَّفِينَة: أَخْلصُوا فَإِن آلِهَتكُم لَا تغني عَنْكُم شَيْئا هَا هُنَا. فَقَالَ عِكْرِمَة: وَالله لَئِن لم يُنجنِي من الْبَحْر إِلَّا الْإِخْلَاص لَا يُنجنِي فِي الْبر غَيره اللَّهُمَّ إِن لَك عهدا إِن أَنْت عَافَيْتنِي مِمَّا أَنا فِيهِ أَن آتِي مُحَمَّدًا حَتَّى أَضَع يَدي فِي يَده فلأجدنه عفوًّا غَفُورًا كَرِيمًا، فجَاء وَأسلم، وَأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْد عُثْمَان، فَلَمَّا دَعَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَى الْبيعَة جَاءَ حَتَّى أوقفهُ عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، بَايع عبد الله. قَالَ: فَرفع رَأسه فَنظر إِلَيْهِ ثَلَاثًا كل ذَلِك يَأْبَى فَبَايعهُ بعد ثَلَاث، ثمَّ أقبل عَلَى أَصْحَابه فَقَالَ: أما كَانَ فِيكُم رجل رشيد يقوم إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْت يَدي عَن مبايعته فيقتله؟ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، مَا نَدْرِي مَا فِي نَفسك، أَلا أَوْمَأت إِلَيْنَا بِعَيْنِك. قَالَ: إِنَّه لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن تكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين».
قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ عبد الله أَخا عُثْمَان من الرضَاعَة. وَفِي رِوَايَة للبيهقي من رِوَايَة عمر بن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن سعيد المَخْزُومِي عَن جده، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم فتح مَكَّة: أَمن النَّاس إِلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة، لَا يُؤمنُوا لَا فِي حل وَلَا حرم: ابْن خطل، وَمقيس بن صبَابَة، وَعبد الله بن أبي سرح وَابْن معبد. فَأَما ابْن خطل فَقتله الزبير بن الْعَوام، وَأما ابْن أبي سرح فاستأمن لَهُ عُثْمَان فأمن وَكَانَ أَخَاهُ من الرضَاعَة فَلم يقتل، وَمقيس بن صبَابَة فَقتله ابْن عَم لَهُ لحا- قد سَمَّاهُ وَقتل عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ابْن معبد وقينتين كَانَتَا لمقيس فقتلت إِحْدَاهمَا وأفلتت الْأُخْرَى فَأسْلمت».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي حَدِيث أنس بن مَالك فِيمَن أَمر بقتْله أم سارة مولاة لقريش. وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي سارة مولاة لبَعض بني عبد الْمطلب، وَكَانَت مِمَّن تؤذيه بِمَكَّة.
وَذكر ابْن هِشَام أَن نميلَة قتل مقيس بن صبَابَة وَهُوَ رجل من قومه، وَابْن عبد الله بن خطل قَتله سعيد بن حُرَيْث وَأَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ اشْتَركَا فِي دَمه. وَجزم أَبُو نعيم فِي الْمعرفَة بِأَن الَّذِي قَتله هُوَ أَبُو بَرزَة وَحده.
قَالَ ابْن الطلاع: وَذكر صَاحب كتاب السّرقَة أَن أَبَا بَرزَة قَتله.
وَذكر ابْن حبيب أَنه أَمر بقتل هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة وَقَرِيبَة أَيْضا، وَقتلت قريبَة وَسَارة وَأسْلمت هِنْد وبايعته. وَذكر ابْن إِسْحَاق أَن سارة أمنها النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن استؤمن لَهَا فَبَقيت حَتَّى أَوْطَأَهَا رِجْل فرسٍ فِي زمن عمر بن الْخطاب بِالْأَبْطح فَقَتلهَا. وَذكر أَبُو عبيد فِي كتاب الْأَمْوَال أَن سارة حملت كتاب حَاطِب إِلَى مَكَّة.
فَائِدَة: قَالَ المطرزي فِي الْمغرب: مقيس بن صبَابَة بالصَّاد غير الْمُعْجَمَة، عَن الْجَوْهَرِي وَغَيره. قَالَ: والمحدثون يَقُولُونَ: مقيس بِالسِّين. وَعَن ابْن دُرَيْد: مقيس بِوَزْن مَرْيَم، وضبابة بالضاد مُعْجمَة.
وَذكر ابْن مَنْدَه فِي تَارِيخه مقيس بن صبَابَة وَقَالَ: أرتد عَن الْإِسْلَام ثمَّ رَجَعَ، وَهِشَام أَخُوهُ قتل مُسلما.
رَوَى عَنهُ عبد الله بن عَبَّاس، وَقد ذكرنَا قبل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بقتْله يَوْم الْفَتْح وَأَن تُمَيْلة قَتله.

.الحديث الثَّالِث:

«أَن رجلا أَجَارَ رجلا من الْمُشْركين، فَقَالَ عَمْرو بن العَاصِي وخَالِد بن الْوَلِيد: لَا يجير ذَلِك. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح: لَيْسَ لَكمَا ذَلِك؛ سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يجير عَلَى الْمُسلمين بَعضهم. فأجاروه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده: ثَنَا إِسْمَاعِيل، ثَنَا إِسْرَائِيل، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن الْوَلِيد بن أبي مَالك، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة قَالَ: «أَجَارَ رجل من الْمُسلمين رجلا وَعَلَى الْجَيْش أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد وَعَمْرو بن العَاصِي: لَا تجيروه. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: نجيره سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يجير عَلَى الْمُسلمين أحدهم» ثمَّ رَوَاهُ بالسند الْمَذْكُور إِلَى أبي أُمَامَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول «يجير عَلَى الْمُسلمين بَعضهم».
الْحجَّاج قد عرفت حَاله سِيمَا وَقد عنعن، وَالقَاسِم حَاله تَالِف. وَرَوَى أَحْمد أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: «يجير عَلَى الْمُسلمين أَدْنَاهُم» وَرَوَى الْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن الْوَلِيد بن أبي مَالك، عَن عبد الرَّحْمَن بن مسلمة، عَن عَمه، عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «يجير عَلَى الْمُسلمين بَعضهم» ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم لَهُ طَرِيقا عَن أبي عُبَيْدَة إِلَّا هَذَا الطَّرِيق عبد الرَّحْمَن لَا يعلم رَوَى إِلَّا هَذَا الحَدِيث.

.الحديث الرَّابِع:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «مَا عِنْدِي إِلَّا كتاب الله وَهَذِه الصَّحِيفَة عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن ذمَّة الْمُسلمين وَاحِدَة، فَمن أَخْفَر مُسلما فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مَا كتبنَا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا الْقُرْآن وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة. قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمَدِينَة حرَام مِمَّا بَين عير إِلَى ثَوْر، فَمن أحدث فِيهَا حَدثا أَو آوَى مُحدثا فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ، لَا يقبل مِنْهُ عدل وَلَا صرف، ذمَّة الْمُسلمين وَاحِدَة يسْعَى بهَا أَدْنَاهُم فَمن أَخْفَر مُسلما فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ، لَا يقبل مِنْهُ عدل وَلَا صرف» وَرَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور مُسلم من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
ذمَّة الْمُسلمين: أَي عَهدهم وأمانهم. وأخفره: نقض عَهده. كَذَا أسلفه الْجَوْهَرِي رباعيًّا. وَأما خفر الثَّانِي فَمَعْنَاه أجاره وأمَّنه، وَمِنْه الخفارة. وَالصرْف: النَّافِلَة. وَقيل: الْفَرِيضَة. وَقيل: الكفيلة. وَقيل: الْوَزْن. وَقيل: التَّوْبَة. وَقيل: الْحِيلَة. وَالْعدْل: الْفِدْيَة، أَي لَا يجد فِي الْقِصَّة فديًا يفتدى بِهِ بِخِلَاف غَيره من المذنبين الَّذين يفدون من النَّار باليهود وَالنَّصَارَى.
وَقَوله: «أَو آوَى مُحدثا».
قَالَ الْخطابِيّ فِي تصاحيف الروَاة: الْوَجْه كسر الدَّال من «مُحدثا» قَالَ: وَقد يحْتَمل أَن يُقَال بِفَتْحِهَا.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ، وَيسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث قيس بن عباد قَالَ: «دخلت أَنا وَالْأَشْتَر عَلَى عليِّ بن أبي طَالب يَوْم الْجمل فَقلت: هَل عهد إِلَيْك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عهدا دون الْعَامَّة؟ فَقَالَ: لَا إِلَّا هَذَا. وَأخرج من قرَاب سَيْفه فَإِذا فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ، وَيسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم، وهم يَد عَلَى من سواهُم، لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر، وَلَا ذُو عهد فِي عَهده». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَشَاهده حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «قَالَ: الْمُسلمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ». وَرَوَى ابْن مَاجَه من حَدِيث معقل بن يسَار مَرْفُوعا: «الْمُسلمُونَ يَد عَلَى من سواهُم وتَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ».
وَرَوَى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده مَرْفُوعا: «يَد الْمُسلمين عَلَى من سواهُم تكافأ دِمَاؤُهُمْ، وَيُجِير عَلَى الْمُسلمين أَدْنَاهُم، وَيرد عَلَيْهِم أَقْصَاهُم، وهم يَد عَلَى من سواهُم».
وَرَوَى ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث ابْن عمر رَفعه فِي حَدِيث طَوِيل: «الْمُؤْمِنُونَ يَد عَلَى من سواهُم، تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ، يجير عَلَيْهِم أَدْنَاهُم، وَيرد عَلَيْهِم أَقْصَاهُم».
فَائِدَة: «يجير» ضَبطه الْمُحب فِي أَحْكَامه بالراء الْمُهْملَة، أَي للْمُسلمِ أَن يجير الْكَافِر وَلَو كَانَ بعيد الدَّار عَن بِلَاد الْكَافِر.

.الحديث السَّادِس:

عَن أم هَانِئ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «أجرت رجلَيْنِ من أحمائي، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمنا من أمنت».
هَذَا الحَدِيث أَصله فِي الصَّحِيحَيْنِ من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ عَن أم هَانِئ قَالَت: «ذهبت إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح فَوَجَدته يغْتَسل وَفَاطِمَة ابْنَته تستره بِثَوْب فَسلمت عَلَيْهِ، فَقَالَ: من هَذِه؟ فَقلت: أم هَانِئ بنت أبي طَالب. فَقَالَ: مرْحَبًا يَا أم هَانِئ.، فَلَمَّا فرغ من غسله قَامَ يُصَلِّي ثَمَان رَكْعَات ملتحفًا فِي ثوب وَاحِد. فَلَمَّا انْصَرف قلت: يَا رَسُول الله زعم ابْن أُمِّي عَلّي بن أبي طَالب أَنه قَاتل رجلا أجرته فلَان بن هُبَيْرَة، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد أجرنا من أجرت يَا أم هَانِئ، قَالَت: وَذَلِكَ ضحى».
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي جامعه بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء.
وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه «إِنِّي أجرت حموي».
فَائِدَتَانِ: الأولَى: الرّجلَانِ اللَّذَان أجرتهما أم هَانِئ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، هما الْحَارِث وَعبد الله بن أبي ربيعَة. كَذَا سَاقه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي بِسَنَدِهِ إِلَى الْوَاقِدِيّ إِلَى عبد الله بن عِكْرِمَة أَن أم هَانِئ أجارت يَوْم الْفَتْح الْحَارِث بن هِشَام وَعبد الله بن أبي ربيعَة.
وَفِي كتاب الزبير بن بكار عَنْهَا: أجارت هِشَام بن الْحَارِث المَخْزُومِي. وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي فِي تَرْجَمَة عبد الله بن أبي ربيعَة: قَالَ بعض أهل الْعلم: عبد الله بن أبي ربيعَة هُوَ الَّذِي استجار بِأم هَانِئ فَأَرَادَ عَلّي قَتله وَمَعَهُ الْحَارِث بن هِشَام وَكَذَا فِي تَارِيخ مَكَّة للأزرقي أَنَّهَا أجارت رجلَيْنِ أَحدهمَا عبد الله بن أبي ربيعَة بن الْمُغيرَة وهما من بني مَخْزُوم. وَقَالَ ابْن الطلاع: اسْم الَّذِي أجارته أم هَانِئ هُبَيْرَة بن أبي وهب وَهُوَ زوج أم هَانِئ وَهُوَ مخزومي. وَقيل إِن الَّذِي أجارته ولد هُبَيْرَة. حَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن مَالك وَهُوَ بعيد، وَأبْعد مِنْهُ قَول من قَالَ أَنه جعدة بن هُبَيْرَة.
وَقَالَ ابْن شُرَيْح: أَنه كَانَ الشرذمة الَّذين قَاتلُوا خَالِدا وَلم يقبلُوا الْأمان وَلَا ألقوا السِّلَاح وَأَرَادَ عَلّي قَتلهَا فأجارتها أم هَانِئ وَكَانَا من- أحمائها. الثَّانِيَة: اسْم أم هَانِئ فَاخِتَة كَمَا جزم بِهِ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة فِي ترجمتها وَكَذَا الْأَمِير فِي الْإِكْمَال وَهُوَ الْمَشْهُور كَمَا قَالَه الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ وَغَيره.
وَقَالَ ابْن سعد: فَاخِتَة عندنَا أَكثر. وَقَالَ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك أَن الْأَخْبَار تَوَاتَرَتْ بِهِ.
قلت: وَفِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ فِي هَذَا الحَدِيث أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهَا: «مرْحَبًا بفاختة أم هَانِئ» وفيهَا خَمْسَة أَقْوَال أخر: أَحدهَا: هِنْد، قَالَه الإمامان الشَّافِعِي وَأحمد بن حَنْبَل، وَغَيرهمَا. ثَانِيهَا: فَاطِمَة، حَكَاهُ ابْن الْأَثِير. ثَالِثهَا: عَاتِكَة. حَكَاهُ ابْن حبَان فِي ثقاته وَأَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة. رَابِعهَا: حمانة. حَكَاهُ الزبير بن بكار عَلَى مَا نَقله ابْن دحْيَة فِي تنويره. وَقَالَ الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي مقاتلة بن حمانة أَخِيهَا، وَزعم ابْن الحدان من قَالَ: اسْمهَا حمانة فقد أَخطَأ؛ حمانة ابْنَتهَا. خَامِسهَا: رَملَة. حَكَاهُ ابْن الطلاع عَن البرقي. أسلمت عَام الْفَتْح.
فَائِدَة ثَالِثَة: هَانِئ بِهَمْزَة فِي آخِره. قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: لَا خلاف فِي ذَلِك بَين أهل اللُّغَة والأسماء، وَكلهمْ مصرحون بِهِ.